تحقيق / نعيمة عويشاوي
تم انجاز هذا التحقيق في اطار برنامج الصحافة الاستقصائية من أجل حوكمة محلية رشيدة باقليم الشمال الغبي الذي يشرف عليه مركز تطوير الاعلام. تم نشرهذا التحقيق على الموقع الالكتروني لوكالة تونس افريقيا للانباء.
بنظرات حزينة و قلوب يعتصرها الألم والأسف أطلعنا العمال على صور أربع بقرات من نوع "الهولشتاين"، جثثا هامدة ملقاة في ساحة شركة الاحياء الاندماج والتنظيم "ايو" ببرج التومي من معتمدية البطان بولاية منوبة بتاريخ 30 مارس 2019.
مشهد التقطه أحدهم قبل ان توارى الجثث التراب وتطمس قصة القطيع الضائع، في "مقبرة الابقار " وهي التسمية التي أطلقها على هذه الضيعة وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية السابق مبروك كورشيد، ووزير الفلاحة والموارد المائية سمير الطيب أثناء زيارتهما لها بتاريخ 23 سبتمبر 2017 ومعاينتهما بقايا وأشلاء جثث الأبقار الهولشتاين الأمريكي النافقة.
موت الأبقار تصدر قائمة النقائص التي وثّقتها جميع تقارير اللجان الفنية التي تابعت وضعية هذه الضيعة الدّولية المؤجّرة لأحد المستثمرين، هذه التقارير تضمّنت عديد الاخلالات التعاقدية والانمائية وكانت احدى ركائز قرار اسقاط الحق الذي استأثر بجزء كبير من النقاش على المستوى المركزي، وظل ملف الضيعة منذ سبتمبر 2017 قيد المتابعة والمطالبة، في كل خطوة إجرائية، بمزيد الاثبات لغياب آليات الردع الحينية، ليضاعف طول إجراءات استرجاع الضيعة الدولية "ايو" الخسائر المالية، ويعمق إهدار الثروة الوطنية يوما بعد يوم.
لم يصدر قرار استرجاع الضيعة من قبل الدولة وإسقاط حق استغلالها من قبل المستثمر (كشرط تعاقدي تفسخ بموجبه الدولة العقد المبرم مع المستثمر بصفة انفرادية بسبب إخلاله بالتزاماته) إلا بتاريخ 28 نوفمبر 2018 أي بعد عام تقريبا من كشف مقبرة الأبقار.
وهذا القرار ظل حبرا على ورق وذلك بعد حكم المحكمة الإدارية بتأجيل تنفيذه بتاريخ 10 جانفي 2019 وهو نفس اليوم الذي اختارته المصالح الجهوية بولاية منوبة للتنفيذ، هذه المحكمة ذاتها رفضت قرار التأجيل بتاريخ 01 مارس 2019 رغم أنّه قرار تحفظي لا يقبل أي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب لينفذ القرار يوم 12 أفريل المنقضي لكن بعد فوات الاوان.
خسائر...بالملايين
حصيلة التواريخ المتتالية والأخذ والردّ كانت خسائر بعشرات الملايين ، وأصبح المشهد الطاغي في ما كان يُعرف بـ"الجنة الخضراء" ركاما من الآليات التي تآكلت بفعل الصدأ وقطيع بقر موبوء وآثار خيبة أمل وشحوب على وجوه العمال الذين تأخرت أجورهم و ساءت أوضاعهم الاجتماعية.
شركة الاحياء الاندماج والتنظيم "ايو" انطلق تسويغها من قبل المستثمر الحالي منذ ماي 2005 لمدة 25 عاما تنتهي في ماي 2030، بموجب عقد تسويغ معرف بالامضاء في جوان 2009 ومسجّل بالقباضة المالية بعد أربع سنوات من تاريخ كرائها.
تتصرف الشركة حسب تقرير اللجنة الجهوية المشتركة لوزارتي أملاك الدولة والشؤون العقارية والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري في ضيعتين فلاحيتين دوليتين ببرج التومي بالبطان من ولاية منوبة وبمنطقة الكليوة بالقريعات من مجاز الباب بولاية باجة على مساحة جملية للضيعتين قدرها نحو 686 هكتار.
من حلم الانقاذ .. الى كابوس الإفلاس
تم ضخ استثمارات هامة في هذا المشروع لا تقل عن 6,7 مليون دينار فتضاعف قطيع الأبقار إلى أكثر من 500 رأس، فضلا عن الأراخي والعجول التي يتم بيعها سنويا وهكتارات الحبوب المروية و الغلال من خوخ وعنب ولوز، فضلا عن وفرة الحليب الذي وصل انتاجه الى 13 طن يوميا.
هذه الشركة الخاضعة لإجراءات إسناد التصرّف في الأراضي الفلاحيّة المهيكلة والمضمّنة بالقانون عدد 21 لسنة 1995، وبكرّاسات الشروط المعدة للغرض تحولت قبل سنوات ، الى جنة خضراء من أكثر شركات الإحياء نجاحا حاصدة عددا من الجوائز الوطنية وخاصة في الإنتاج الحيواني.
منح عمومية للاستثمار
انتفعت الشركة حسب مصالح وكالة الاستثمار الفلاحي (بعد تقديم مطلب نفاذ للمعلومة بتاريخ افريل 2019 ) بمنحة استثمار في 2008 بمبلغ 96,223 الف دينار عبر وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية بعنوان تهيئة اسطبلات ابقار وبناء اسطبل جديد كما حصلت على منح بما يمثل 7% من كلفة إنجاز مشروع تربية أبقار متكون من 188 رأسا منها 99 بقرة حلوب وذلك بكلفة جملية بـ 118,200 الف دينار ومشروع غراسة الأشجار المثمرة والتي بلغت 10 هكتار خوخ و15 هكتار عنب و15 هكتار لوز واقتناء معدات فلاحية.
كما حصلت في جويلية 2011 على امتيازات مالية قدرها 25,412 الف دينار لتمويل تجهيز زراعات كبرى بمعدات الري بالرش.
لم يدم هذا الحال طويلا ، إذ اتهم عمال الشركة والجهات النقابية المستثمر بالضرب بالحقوق الشغلية عرض الحائط . وأكد الكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي للشغل بمنوبة منصف قزقز "انعقاد عشرات جلسات التفاوض في ولاية منوبة وتفقدية الشغل والاتحاد حول الوضع المهني للعمال ومستحقات العمال المالية والتغطية الاجتماعية ووصل الأمر الى غلق الطريق والقيام بتحركات" ولكن الوضع لم يتغير منذ الثورة " بحسب قوله .
وفضلا عن التحركات النقابية تم الكشف ايضا عن إخلالات تعاقدية، أكدتها أغلب تقارير لجان المراقبة الواردة بعد سبتمبر 2017، وبدأت الأزمة تتعمق بعدم التزام الشركة بجدولة ديون الكراء المتخلدة بذمتها والتوقف عن الخلاص في 2017 في خطوة فاجأت الجميع خاصة أنّ الشركة من انجح الشركات وأكثرها مردودية وانتظاما في الخلاص حسب جميع المصالح الادارية والمالية ذات العلاقة التي تحدثنا إليها.
المستثمر المستفيد من الضيعتين الدوليتين، صرّح لـ"وات" بأنّ ما حدث أبعد ما يكون عن الازمة واقرب الى المؤامرة بحسب رأيه وأكّد التزامه بالبرنامج الاستثماري وتحقيقه نسبا تقدم هامة .
ويرى المستثمر ان التحركات العمالية في الشركة هي "نتاج مؤامرة و أجندات نقابية ليس الاّ، موجها التهمة الى بعض أعوان الشركة، وبعض الاطراف التي رفض الافصاح عن هويتها بـ"التواطؤ".
وأشار الى تضرر ضيعته وقطيعه نتيجة القرار المتعلق بتقسيط مياه الري بالمناطق السقوية العمومية ومنعه من الري وزرع الاعلاف.
وفي الاثناء وفي ظل حلقات التراشق بالتهم ومنطق الاتهام ورد الفعل زادت وضعية الضيعة تقهقرا وتحول الحلم الى كابوس، فهمّش البشر وجاع البقر وهو من أفضل سلالات إنتاج الألبان في العالم التي يفوق ثمنها حاليا في تونس الـ8 آلاف دينار للبقرة الواحدة.
تراجع عدد القطيع بداية من جوان 2017 بسبب ارتفاع نسبة النفوق حسب تقارير لجان المتابعة الجهوية والوطنية . وكان الوزيران قد عاينا اثناء زيارتهما الضيعة جثث الأبقار في ما أطلقا عليه ب"المقبرة" مؤكدين نفوق ما بين 50 و80 رأسا .
ومع ارتفاع أصوات الاستغاثة من عمال الشركة والنقابة الاساسية والاتحاد الجهوي للشغل بمنوبة لإنقاذ الشركة، اتجهت الأنظار لوضعيتها فرصد البحث العقاري الذي قامت به اللجنة الجهوية المشتركة لوزارتي أملاك الدولة والشؤون العقارية والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري في في جوان 2017 إخلالات فادحة.
تعلقت الاخلالات ب"الشروط التعاقدية ، وعدم خلاص معاليم الكراء، وتعطل قاعتي الحلب، وضعف الإنارة، وتراكم الفضلات وتعطل المنظومة الإعلامية ما عرقل عملية التسجيل، والموت المسترسل لقطيع الأبقار نتيجة سوء التغذية، ونقص كميات ونوعية الأعلاف المقدمة للأبقار الحلوب".
واقترحت اللجنة الجهوية عرض ملف الشركة على أنظار اللجنة الوطنية الاستشارية لاتخاذ الإجراء المناسب في حقها.
جملة معاينات اللجان المختصة، والتي يصرّ المستثمر ان اغلبها "كيدية" و مجانبة للصواب، رصدت الاخلالات وظلت في انتظار القرار أو التدخل العاجل الذي قد يوقف نزيف الخسائر، وتمثّل رد الفعل اليتيم في مجرد قرار شفوي في أعقاب الزيارة الرسمية بتاريخ 23 سبتمبر 2017 يقضي باحالة ملفها على القضاء لاسترجاعها، وهو قرار يرى المستثمر انه "مهزلة حقيقية" ملمحا الى مضايقات تعرض لها، متجنبا ذكر أشخاص بعينهم.
احالة ملف الشركة على القضاء اعتبره ممثلو النقابة الاساسية بالشركة والاتحاد الجهوي للشغل متأخرا خاصة بعد تعدد التقارير الجهوية التي رفعت منذ جوان وتكرر نداءات الاستغاثة لإنقاذ الملك العام، وكان من الممكن الاستجابة قبل ذلك ومنذ تاريخ اول تقرير جهوي (12 جوان 2017) وإنقاذ القطيع قبل أن تحل الكارثة ويستفيق الجميع على مشهد المقبرة.
ذلك المشهد الذي دفع وزير أملاك الدولة حينها مبروك كورشيد الى اعتباره "فسادا في حق البلاد والعباد " مطلقا تسمية "شركة مقابر للأبقار والمزروعات" عوض شركة الاحياء، وكان الراي الغالب ان ما يجري في الضيعة هو إخلال علني بالملك العام وجريمة قامت قانونيا بتوفر صريح لأركانها ، من موت جماعي للأبقار، وتيبس لاشجار الخوخ، وضعف للمخزون العلفي ، مع توفر عنصر الإخلال الاهم لشروط الأمر عدد 1172 لسنة 1988 المتعلق بضبط شروط إحياء الأراضي الدولية الفلاحية من طرف شركات الإحياء وهو عدم خلاص معاليم الكراء.
تيبّس الشجر على بعد امتار من وادي مجردة ، ويبست الثمار في أغصانها، وتحوّل جزء من أراضي ضيعة الكليوة الى مرعى للرعاة الذين حطوا الرحال بها حسب تقارير لجان المتابعة وهو أمر اعتبره المستمثر"نتاج الإجراءات الجزافية والقرارات غير المدروسة التي عمقت الازمة برايه .
صخب وضجة اعلامية وتقارير متتالية، لم تقابلها سوى قرارات تفتقر الى النجاعة واجراءات انطلقت بتوجيه انذارين تعاقديين وانمائيين في 25 سبتمبر و 11 أكتوبر 2017 في نفس السنة، ثم إصدار بطاقة إلزام من أجل عدم خلاص معاليم الكراء التي بلغت الى حدود جوان 2019 ماقدره 901,743 الف دينار.
شكك المستثمر في صحة الرقم مستظهرا بوثيقة جدولة ديون من أمانة المال الجهوية بمنوبة و بوصولات الخلاص تفيد خلاصه مبلغ 262 الف دينار وتخلد ماقدره 343,774 الف دينار فقط بذمته الى غاية ديسمبر 2019 مستغربا "الاصرار على الإدلاء بأرقام مغلوطة تقابلها قيمة استثمار قام بصرفها في الضيعتين منذ تسلمهما تفوق ال06 مليون دينار وخسائر مادية تكبدها رافقتها حملة تشويه ممنهجة ومتابعات قضائية "حسب تصريحه.
هذا الرقم كذّبته مصالح امانة المال الجهوية لتؤكد ان هذا الأخير لم يلتزم بالجدولة المذكورة والمشروطة بدفع القسط المتخلد بذمته مع تأكيد أن الاستخلاص الموسمي للشركة، وغالبا ما يكون في ماي من كل سنة، هو في حدود 194 الف دينار لتبلغ قيمة اصل الدين مع خطايا التأخير الى حدود 15 جوان 2019 901,743 الف دينار.
وفي الوقت الذي تتضاعف فيه الخسائر وتتعمق الازمة يوما بعد يوم لم تشمل الإجراءات عقب زيارة وزيري أملاك الدولة والفلاحة سوى بطاقة الإلزام التي تم بموجبها منع المستمثر من الاستغلال من 23 سبتمبر الى 9 ديسمبر 2017، مع حجز المنقولات والمعدات الفلاحية ووضع الضيعتين طيلة تلك الفترة القصيرة تحت تصرّف ديوان الأراضي الدولية وديوان تربية الماشية (بموجب إذن من المحكمة الابتدائية بمنوبة في 05 اكتوبر 2017 ).
وبين اتخاذ الإجراءات والتراجع عنها، و برغبة أحيانا في انصاف المستثمر وتمكينه من فرصة لتذليل صعوباته تعثر المسار، إذ اعترضت شركة الاندماج والتنظيم "ايو" على الاذن بالحبس على المعدات الصادر بعد تقديم قضية في الغرض لتبطلها محكمة الاستئناف بتونس.
وفيما يصرّ المستمثر على أنّ الاعتراض المقبول وقرار نقض بطاقة الإلزام وإبطال مفعولها، يمكّنه من التصرف في منقولاته وآلياته وكافة محتويات الضيعة اكدت مصالح أمانة المال الجهوية انّ القرار يشمل إجراءات المكلف العام بنزاعات الدّولة وتحديدا اذن حبس المنقولات الموجودة بضيعتي "كليوة" وبرج التومي الصادر باذن من المحكمة الابتدائية بمنوبة بتاريخ 26 سبتمبر 2017 تحت عدد 52202 ونفذ بعد يومين ثم تم رفعه بتاريخ 18 اكتوبر 2018.
الاعتراض شمل ايضا الانذار الانمائي الثاني الذي تم قبوله من وزارة املاك الدولة لتمكين الشركة من مواصلة نشاطها وذلك بعد قيامها بخلاص جزء من معينات الكراء وإعراب المستثمر عن تداركه صعوباته المادية والتي عجز عن تداركها بفعل فاعل حسب تعبيره قائلا "منعني بعض العاملين في الشركة ممن يتقاضون أجورهم من شركتي من مواصلة نشاطي ومن التصرف في آلياتي" مستظهرا بعرائض وشكايات ضد بعض العاملين بالشركة.
قبول الاعتراض ورفع الحبس مكّنا المستمثر من استغلال الضيعة من جديد والتصرف في تجهيزاته وآلياته بكل حرية دون أن يجدّ أي تحسن في الوضع ، إذ وفر المتزود بالحليب المتعاون مع الشركة كميات العلف المركز والتي لم تف بحاجة الأبقار لتنتهي الحيوانات والزراعات في حالة احتضار وموت مؤجّل والعمال في وضع اجتماعي مزر دون أجر ولا تغطية اجتماعية الى أفريل 2019.
وفيما تواصلت تقارير اللجان الفنية ونداءات الاستغاثة لإنقاذ الضيعة قبل قبر ثرواتها تقرر اسقاط حق الشركة في استغلال ضيعتيْ منوبة وباجة وذلك بسبب تعمدها عدم تدارك المخالفات التعاقدية والانمائية واحالة القرار الى ولايتي منوبة وباجة وديوان الأراضي الدولية بعد امضائه من قبل وزير أملاك الدولة مبروك كورشيد في 17 أكتوبر 2018 ثم وزير الفلاحة سمير بالطيب بعد شهر تقريبا (28 نوفمبر ) من نفس السنة .
القرار لم ينفّذ إلا بتاريخ 10 جانفي 2019، وهو نفس التاريخ الذي فاجأ به المستمثر مسؤولي ديوان الأراضي الدولية والفلاحة وأعوان الحرس الوطني يوم التنفيذ، بحكم قضائي استعجالي من المحكمة الإدارية يحمل تاريخ نفس اليوم، و يقضي بتأجيل تنفيذ قرار اسقاط الحق الى حين البت في قرار إيقاف التنفيذ.
أثار تزامن تنفيذ قرار اسقاط حق الشركة في استغلال الضيعتين مع قرار المحكمة الإدارية بايقاف التنفيذ الذي ورد ابان امضائه على المصالح الجهوية وعبر الفاكس، استغراب كاتب عام الاتحاد الجهوي للشغل بمنوبة مصطفى المديني الذي اشار الى ان "القرار كان يجب أن ينفذ في ابانه، وأن لا تعطى للمستثمر اية مهلة بحسب رايه مشيرا الى أنّ الشركة قد انتهكت حقوق العمال منذ سنوات بعد الثورة، واضرت بالثروة الحيوانية ، في الوقت الذي كان من المفروض أنها النموذج الاكثر اشعاعا واحد اهم الضيعات بالجهة ".
هنا فسر "مسؤول" بالإدارة الجهوية لأملاك الدولة أنّ الفترة الفاصلة بين اتخاذ القرار وتنفيذه كانت ضرورية لإعداد ملف متكامل حول الشركة وكل ما يتعلق بمعينات الكراء والموازنات المالية وغيرها، وقال ان الامر اقتضى تشريك كافة الهياكل ذات العلاقة من صندوق الضمان الاجتماعي وتفقدية الشغل و أمانة المال الجهوية ووكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية و ديوان الأراضي الدولية.
أمام طول أمد قرار استرجاع هذه الضيعة الدولية من الشركة المخلة -التي شملها تقييم دائرة المحاسبات ضمن التقرير السنوي العام ال31 حول الأراضي المهيكلة الصادر ب 26 ديسمبر 2018 وذلك ضمن تقييم الاراضي والضيعات الفلاحية بولاية منوبة، وفي ظل تعقد الإجراءات الادارية تراكمت الخسائر وتضاعفت الاخلالات لتغرق الشركة يوما بعد يوم في صعوبات مالية وإدارية وتفقد أهميتها ونجاعتها كحلقة هامة في منظومة التنمية الفلاحية وفي دفع الحركية الاقتصادية للجهة، اضافة الى تواصل نقص تربية الأبقار حسب محضر معاينة العقار من طرف اللجنة الجهوية المشتركة لوزارتي أملاك الدولة والشؤون العقارية والفلاحة المحرر في جوان 2017 .
يحمّل المستثمر هنا مسؤولية موت أبقاره الى وزارة الفلاحة معتبرا أنّ القرار المتعلق بتقسيط مياه الري بالمناطق السقوية العمومية والقاضي حينها بتوفير المياه بنسبة 20 بالمائة للأشجار المثمرة إلى جانب منع زراعة الخضروات بجميع أنواعها والقرعيات والأعلاف والقنارية، أحد أسباب موت الأبقار.
وأضاف أنّ أبقاره "تعودت على نظام غذائي عال وبنوعية أعلاف خضراء مروية يقوم بزرعها، معتبرا ان منعه من مواصلة الري في منتصف 2017 تنفيذا لقرار وزير الفلاحة، أثّر على تغيير العادات الغذائية لقطيع الأبقار القائمة أساسا على علف "المنجور" شتاء و"الفصة" صيفا والتي كان يقوم بزراعتها على مساحة تصل ال70 هكتارا سنويا.
بين شهري ماي و أوت من سنة 2017 فقط تقلّص قطيع الأبقار الحلوب من 320 بقرة الى 290 بقرة وفق ما سجّلته لجنة فنية جهوية ضمّت الدائرة الفرعية للانتاج الحيواني وخلية متابعة الأراضي الدولية ومهندس مختص في تقنيات تربية الماشية في تقريرها في 28 أوت 2017 . وقد لاحظت اللجنة ذاتها نقصا حادا في نمو القطيع بجميع فئاته العمرية، وذلك نتيجة سوء التغذية ونقص إنتاج الحليب الذي وصل الى اقل من 7 لترات في اليوم للبقرة مع نقص مخزون الاعلاف الخشنة.
من اكتوبر 2017 الى أكتوبر 2018 تقلص العدد الجملي لقطيع الابقار بمختلف فئاته العمرية من 527 رأسا الى 366 رأسا، وانخفض عدد الأبقار الحلوب من 240 بقرة الى 135 بقرة فقط، وبلغ إنتاج الحليب 1580 لتر يوميا وانعدم توازن غذاء الأبقار ، ولم تعد كميات العلف المركز والتبن تفي بحاجيات القطيع الضرورية.
وارتفعت نسبة الولادات الميتة في القطيع نتيجة تدهور الحالة الصحية للاراخي بسبب سوء التغذية ونقص الوزن حسب تقرير اللجنة المشتركة بين وزارتي الفلاحة وأملاك الدولة (28 جوان 2018 ). وفوجئ أعضاء اللجنة الجهوية يوم تنفيذ قرار إسقاط الحق في أفريل المنقضي بوجود 271 رأس بقر فقط منها 119 بقرة حلوب و91 ارخى و60 عجلة منها 46 بقرة موضوعة تحت الحجر الصحي.
المراقب بخلية متابعة الأراضي الدولية الفلاحية منجي البوغانمي وصف الشركة بـ"شركة قبر وليست شركة احياء". واصر على ان الإخلالات متعمدة، ولا تهدف الا إلى التخلص من عنصر تربية الأبقار المضمن بكراس الشروط، و استنزاف الثروة الحيوانية الوطنية وبالتالي تخفيض عدد العمال ، مع الإبقاء على نشاط الزراعات الكبرى المربح والأقل كلفة .
هذا الرأي استغربه المستثمر ليؤكد أنه تجاوز البرنامج الاستثماري في قطيع الابقار الذي فاق ال500 راسا ، وفي عدد العمال الذين وصل عددهم إلى 57 عاملا برغم التعهد ب24 فقط ،وفي الآليات المتطورة والتقنيات الإنتاجية المتطورة.
مستغلّة متعفنة بداء السل
من داخل الضيعة التي عمتها مظاهر الإهمال تعالت أصوات خوار البقر داخل اسطبلاتها وجلب الانتباه قطيع لم ينقطع خواره طيلة زيارة تنفيذ قرار اسقاط الحق في 12 افريل 2019 ، تشير احدى العاملات هناك الى أنّ جزءا من القطيع قوامه 46 راسا مصاب بداء السل ومعزول عن باقي القطيع.
فمن "مقبرة للأبقار" تطورت وضعية الشركة الى مستغلة متعفنة بداء السل البقري بمقتضى قرار جهوي تم بموجبه الحجز على قطيع الابقار الى حين القضاء على بؤر التعفن.
تمّ اكتشاف البؤرة في 07 سبتمبر 2018 بعد إخضاع 430 رأسا الى الاختبار الجلدي وتبين اصابة 84 راسا، ليتم على اثر ذلك اعلام المستثمر بتاريخ 12 سبتمبر بعدم التفريط في القطيع بالبيع دون إعلام المصالح البيطرية بالجهة ، وأصدرت المصالح الجهوية بالولاية قرار التعفن في حين ماطل المستثمر حسب تقرير المعاينة الفنية في 16 أكتوبر 2018 في إمضاء الالتزام باحترام كافة إجراءات التطهير الصحي لقطيع الأبقار ولم يتم ذلك الا بتاريخ 09 نوفمبر الجاري.
وكشفت اللجنة ايضا نقصا بعدد 05 رؤوس ابقار مصابة استظهر المستمثر بشهادتي نفوق لاثنين منها في حين لم يتبين مصير ثلاثة ابقار أخرى ،وتمسك المستمثر بتاكيد قيامه ببيع عدد من الابقار بمقتضى ترخيص من المصالح البيطرية بالمندوبية الجهوية للفلاحة واكتشافه قبل تسليم عدد منها الى صاحبها بعقلتها ومنع تسليمها.
كما اشارت اللجنة الى تواصل التفريط في القطيع الذي لم يظل منه سوى 46 راسا فقط بالضيعة مع مخالفة القانون عدد 95 لسنة 2005 المتعلق بتربية الماشية والمنتجات الحيوانية و"المتاجرة في حيوانات يعلم صاحبها انها مصابة بمرض حيواني خاضع للتراتيب" .
وفي هذا الاطار كشف عمال الشركة ان اسطبلات الأبقار تحولت الى مرتع للمربين والشاحنات على اعتبار ان الضيعة هي مركز انتاج اراخي مؤصلة وحلوب يتزود منها مربّو الأبقار في عديد الجهات، معتبرين ان الاخلال بقواعد الصحة الحيوانية هو سبب الكارثة والاصابة بداء السل البقري وذلك بعد عملية التجويع في جويلية وأوت 2017 والتي نفقت بسببها حوالي 80 بقرة برايهم .
في 27 نوفمبر 2018 حررت امانة المال الجهوية وعبر القباضة المالية بطبربة محضر عقلة توقيفية على كافة منقولات الشركة المتمثلة في آليات وشاحنات وحاصدات ورافعات صغيرة وآلتيْ حلب وجرارات وقطيع أبقار وتحجير بيعها والتفريط فيها ورفض المستمثر امضاء أصل المحضر حسب الوثائق التي حصلنا عليها.
ولم يقع العثور عند التنفيذ على كافة المعقولات ، اذ اختفت اغلب الآليات وتقلص عدد القطيع حسب تصريح إطار القباضة المالية بطبربة نبيل بن سليمان خلال تنفيذ قرار الإسقاط بالضيعة .
و قامت القباضة بمقاضاة الشركة وتم إصدار بطاقات تفتيش عن جميع المنقولات ويجري التنسيق مع المصالح الامنية بطبربة للبحث عنها وقد عثر في النصف الأول من جوان 2019 على جرارين منها تم حجزهما بمنطقة برج العامري.
خسارة تلو الخسارة ،أزّمت الوضعية بالشركة و أدخلت صاحبها والدولة على حد سواء في دوامة من التقاضي لم تنته الى حد الان، فاضافة الى معاليم الكراء تم قبل التنفيذ النهائي لقرار إسقاط الحق قطع النور الكهربائي لعدم دفع متخلدات لفائدة الشركة التونسية للكهرباء والغاز قدرها 23,254 الف دينار، و قطع الماء الصالح للشرب بعد بلوغ ديون شركة استغلال وتوزيع المياه مبلغ 47 الف دينار .
كما فاقت التعهدات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ال187 الف دينار(أصل الدين) اضافة الى مبلغ الخطايا وهي في حدود ال70 الف دينار.
أرقام وحقائق لا يمكن الا ان تكشف حجم ثقل ملف الأراضي والضيعات الدولية ببلادنا، وهي تبرز الحاجة الملحة الى مراجعة الإطار التشريعي في الغرض بهدف وضع صيغ مستحدثة للتصرف فيها و آليات للمتابعة والمراقبة اللازمة لضمان حسن استغلالها، والرفع من مساهمتها فى الإنتاج والتشغيل والتصدير .