تحقيق /درة بن عبد القادر
تم انجاز هذا التحقيق في اطار برنامج الصحافة الاستقصائية من أجل حوكمة محلية رشيدة باقليم الشمال الغبي الذي يشرف عليه مركز تطوير الاعلام. تم نشرهذا التحقيق على الموقع الالكتروني لوكالة تونس افريقيا للانباء.
في ضيعة فلاحية تقع في إحدى مدن الشمال الغربي، تتأهب زهرة (اسم مستعار) منذ ساعات الصباح الباكر،على غرار زميلاتها في الكفاح، للالتحاق بمكان عملها الموسمي.
"نحن نتنقل لجني الخضر و الغلال من ضيعة إلى أخرى حسب الحاجة و حسب متطلبات الموسم من جني و قطف و مداواة و تنظيف للأعشاب الطفيلية وغيره من الأعمال".. هكذا بدأت زهرة، الشابة الثلاثينية، تتحدث بنبرات متقطعة، وهي المصابة بمرض الربو، عن عملها اليومي في المجال الفلاحي.
"اضطررت للخروج للعمل، وهو حال كل هذه النسوة، انّها بالفعل ظروف قاسية"، هكذا واصلت زهرة حديثها وهي تستعرض معاناتها اليومية خاصة خلال فترة مداواة المنتجات الفلاحية و تخصيبها.
تقول محدثتي، يقدمون لنا مرشّا مليئا بخليط من الأدوية فنقوم بسكب المحتوى على الزراعات الموجودة والمساحات المطلوبة، مضيفة في تهكّم، هو فطورنا الصباحي، نستنشق ما لذ و طاب من روائح المبيدات.
ارتفع استعمال المبيدات الفلاحية في البلاد التونسية خلال السنوات الأخيرة. وحسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء من الكتاب السنوي للإحصاءات الفلاحية لسنة 2015 ، تطورت كمية المطهرات و مبيدات الأعشاب الطفيلية و الحشرات المستوردة من 6839 طن سنة 2013 إلى 7826 طن سنة 2015 .
ويفسر مهنيو القطاع الفلاحي هذا التطور بالحاجة الملحة إلى الترفيع في كمية الإنتاج، فيأخذ الفلاح جميع احتياطاته لمداواة المنتوج بمقادير مختلفة، هذا بالإضافة إلى رغبته في تسويق المنتجات في أوقات مختلفة وغالبا ما تكون قبل أوانها أو بعد تجاوز فترة انتاجها.
ومع اختلاف الأهداف من استعمال المبيدات الزراعية فإنه يتعين على الفلاح احترام الحد المسموح به من رواسب هذه الأدوية في المُنتجات الفلاحية باعتباره الضامن الوحيد لسلامة المُنتج الفلاحي المعروض في السوق للاستهلاك.
لكن لجوء الفلاح إلى الإستعمال المفرط وغير المراقب للمبيدات الزراعية و في فترات متواترة ينتج عنه تجاوز نسبة ترسبات هذه المواد الكيميائية في المنتجات الفلاحية الحد المسموح به، وهو ما يتسبب في حدوث أمراض متفاوتة الخطورة لدى المستهلك و المستعمل لهذه المنتوجات و يضر كذلك البيئة والتربة.
السوق الموازية تعمّق مشكل الإستعمال غير الرشيد للمبيدات الفلاحية
يقول طاهر نابي، عضو المكتب التنفيذي للنقابة التونسية للفلاحين المكلف بالإنتاج، انّ مشكل المبيدات الفلاحية في تونس يكمن في ضعف الرقابة على مستوى توريدها. ويؤكد نابي وجود مبيدات غير مطابقة للمواصفات تغزو السوق التونسية وهو ما يعني وجود سوق موازية للتوريد، بالإضافة إلى وجود مبيدات منتهية الصلوحية يقع تسويقها وعرضها للبيع.
و قد تفاقم هذا الوضع في ظل ضعف الرقابة على المواد الفلاحية المعروضة في السوق إذ لا يخضع أغلبها الى هذه الرقابة و إن وجدت فهي ليست إلا صورية، وفق قوله.
وحسب عضو المكتب التنفيذي للنقابة التونسية للفلاحين، يلجأ الفلاح عادة إلى بائع المبيدات لاقتناء حاجته، وهذا الأخير همّه الوحيد بيع بضاعته دون مراعاة مدى نجاعة المبيد و ملاءمته للمنتَج الذي يريد الفلاح مداواته او حمايته من الطفيليات والأمراض. و حتى يضغط الفلاح على تكلفة الإنتاج يتجاوز في غالب الأحيان الكمية المنصوح بها من المبيدات لمداواة النبتة و ذلك تخمينا منه انّ مضاعفة الكمية يمكّن من حماية أكثر للنبات، و حسب بعض الفلاحين يسمح بتفادي المداواة على فترتين أو أكثر.
و في شهادة زهرة التي تقضي ساعات من العمل الشاق منحنية الظهر تحت أشعة الشمس الحارقة في الصيف والبرد القارس في الشتاء، تقول انّ ما لاحظته طيلة فترات عملها في الحقول هو أن رش المنتجات الفلاحية بالمبيدات يتم بظهور أمراض نباتية أو تكاثر للأعشاب الطفيلية التي قد تضر بالغلال و الخضراوات المزروعة.
وتضيف قائلة: "تحسّبا لتهاطل كميات من الأمطار التي من شأنها أن تساعد على ظهور بعض الطفيليات الضارة أو خوفا من ظهور أنواع من الحشرات التي سمع عنها في ضيعات مجاورة، يلجأ الفلاّح إلى عملية مداواة استباقية اعتقادا منه أنه بذلك سيحمي النبتة من كل الآفات".
الاستعمال الرشيد للمبيد من قبل الفلاح أساسي لحماية المنتَج و التربة
يقول حمادي دخيل، مهندس عام متقاعد كان يشغل خطة مدير درجة استثنائية للرقابة البيئية للمنتجات بالوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات، انّ عملية مراقبة المنتجات الفلاحية تتم حسب مخطط رقابة يشمل جميع المنتجات الفلاحية حسب الفصول.
و يذكّر دخيل بمهام الوكالة شارحا أنها ليست زجرية بالأساس بل تتمثل في الوقوف على مدى وجود بقايا المبيدات بسلسلة المنتجات الفلاحية و أخذ التدابير اللازمة لتقييم المخاطر.
و يؤكد، في هذا الإطار، على أهمية العمل مع المراقبين على مستوى وزارة الصحة و التجارة و الفلاحة، "فهم المؤهلون للقيام بالمراقبة الحينية للمواد و على مستوى نقاط البيع، و لرسم خطط التدخل واتخاذ الإجراءات الزجرية اللازمة".
وقد تمت المصادقة مؤخرا في مجلس النواب على قانون عدد 25 لسنة 2019 مؤرخ في 26 فيفري 2019 يتعلق بالسلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات.
وينص الفصل 21 من هذا القانون على على أنه يمكن للوزير المكلف بالصحة بناء على الرأي المطابق للجنة الاستشارية المنصوص عليها بالفصل 45 من هذا القانون، اتخاذ قرارات في الجوانب المتعلقة بالخصائص الجرثومية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات و بالتركيبة والخصائص الفيزيوكيميائية والبيولوجية والحسية والعناصر النافعة والتأشير والمضافات والملوثات وبقايا المبيدات وبقايا الأدوية البيطرية وغيرها من الخصائص المتعلقة بالمواد الغذائية وأغذية الحيوانات أو بمعالجتها حسب طبيعتها وصنفها.
و حسب نفس القانون ينص العنوان السادس منه على إحداث الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية و التي تتولى المصادقة على المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي وتثبيت البذور والشتلات وإعداد دليل خاص بها. كما تطرق العنوان السابع من هذا القانون إلى المراقبة الرسمية للسلسلة الغذائية حيث ينص الفصل 48 على مهام الهيئة لتأمين وتنظيم عمليات المراقبة الرسمية للسلسلة الغذائية بصفة منتظمة وحسب المخاطر و بنسق ملائم بالاستناد إلى مبدأ تحليل المخاطر لتحقيق الأهداف المحددة، مع الأخذ بعين الاعتبار عدة عناصر.
وتأكيدا لأهمية إيلاء مسألة الترسبات السامة للمبيدات في المنتوجات الفلاحية يذكّر حمادي دخيل بوجود دراسات أنجزت و من بينها دراسة تعود لسنة 2004 بينت تضاربا و استعمالا غير رشيد للمبيدات حيث وجدت في أكثر من 54 بالمائة من العينات أنواع من المبيدات غير المنصوح بها للنبتة.
و في هذا الإطار يشير دخيل إلى وجود أنواع من المبيدات التي تبقى فاعلة على المدى الطويل مثل الـ"ددت" الذي تم منعه منذ 1984 لكن رواسبه مازالت موجودة إلى الأن و لذا عندما يكون استعمال الفلاح للمبيد الزراعي غير رشيد فذلك يصبح هدرا للمال و اضرارا بالبيئة و المستهلك. وتبعا لذلك يتحتم على الفلاح احترام كيفية استعمال المبيد وملاءمته لكل فترة معينة من الدورة الحياتية للنبتة.
"كل المبيدات لها دورة حياتية معينة و الاشكال يتمثل في المبيدات التي تبقى رواسبها فترة طويلة و حتى مدى سمية هذه المواد تتحدد حسب الكمية المستعملة و لذا وجب ترشيد الاستعمال الذي يكتسي قيمة خاصة في القطاع الفلاحي" وفق ما يؤكده مصدرنا.
و لا ينكر حمادي دخيل وجود سوق موازية للسوق المنظم و الذى يمثل مصدرا مجهولا للمبيدات الفلاحية، مشيرا، في هذا الصدد، إلى صعوبة مراقبة المنتجات الفلاحية التي تقدّم إلى المستهلك نظرا إلى التكلفة الباهظة للتحاليل و العدد المحدود للمخابر المؤهلة للقيام بهذه العملية.
وزارة الفلاحة تلتزم بواجبها الرقابي رغم نقص العنصر البشري
يؤكد عادل الجمازي كاهية مدير إدارة مراقبة وجودة المنتوجات الفلاحية بوزارة الفلاحة، من جانبه، على أهمية مراقبة المبيدات الموردة التي تخضع الى رخصة التسويق.
ويفسر الجمازي عمل فريق المراقبة التابع لوزارة الفلاحة الذي يقوم حسب قوله بأخذ عينات من المبيدات الموردة و يتم تحليل المواد الفاعلة و المعدلات المسموح بها في المخبر التابع لوزارة الفلاحة، مشيرا إلى أنه إذا كان المبيد مطابقا للمواصفات يتم إسناد رخصة التسويق و إن ثبت العكس يقع إعلام المورد و منع تسويق المبيد.
و عند الحصول على الترخيص يقوم المورّد بترويج منتوجه لدى نقاط البيع المخول لها و تتم المراقبة في نقاط البيع من قبل المراقبين من مصلحة مراقبة المنتجات الفلاحية و ايضا الدوائر الجهوية للتنمية الفلاحية.
كما تشمل المراقبة عملية الخزن و أيضا مدة صلوحية هذه المبيدات.
و حسب المتحدث، فإنه توجد مبيدات قارب تاريخ صلاحيتها على الانتهاء بكميات كبيرة، ولا تزال مخزنة فيقدم البائع مطلبا لتحليل عينة للتأكد من تواصل فعاليتها حتى يتمكن من بيعها بترخيص خاص وهي الطريقة المثلى للتخلص من المبيدات التي قاربت صلاحيتها على الانتهاء وذلك بتعديل المقدار المستعمل.
و يوضح الجمازي، في هذا الإطار، خطورة هذه المبيدات وما تحتويه من مواد سمية يصعب التخلص منها لأنها تتطلب إمكانيات كبيرة، مبينا أنه لا توجد في تونس استراتيجية للتخلص من المبيدات المنتهية الصلوحية الا في اطار برامج و حملات مع منظمات عالمية.
زهرة التي قامت بعدة أعمال في مختلف المواسم الزراعية و الأراضي الفلاحية تستحضر كيف يتم خلط المبيدات دون الأخذ بعين الاعتبار عدة معايير خاصة على المستوى الكمي. فيقع إضافة هذا النوع و ذاك من المبيدات بصفة اعتباطية ثم يلقى ما تبقى من الأوعية و بقايا المبيدات العالقة في القمامة العادية.
وبالنسبة للفلاح، يقول الجمازي هناك من هو واع و مطلع على جميع المعطيات، و هناك من يتصرف بدون استراتيجية واضحة فهو عامة يتوجه الى بائع المبيدات و يطلب منه بعض الأنواع الصالحة لزراعته او المضادة لبعض الامراض. فيقوم هنا البائع بدور المرشد ولكن خدمة لمصلحته ليبيع المبيدات التي يريد التخلص منها مقابل معاملات مالية خاصة لفائدة الفلاح كأن يتفق معه على موعد الخلاص مع تمام جمع المحصول و يبقى بذلك الفلاح رهينا لأطماع البائع.
و من هذا المنطلق، يشدد عادل الجمازي على أهمية وجود فرق للتوعية تتولى الاتصال بالفلاح و تقدم له النصائح، مستدركا بأن المشكل المطروح هو قلة العاملين في هذا المجال بعد إحالة الكثيرين منهم الى التقاعد، بالاضافة الى تنوع مجالات تدخلهم حيث نجد عاملا واحدا على مستوى مناطق جغرافية متعددة للارشاد.
و عن انعدام نجاعة بعض المبيدات التي ينتقدها بعض الفلاحين و يعللون بذلك لجوءهم إلى بائع المبيدات قصد النصيحة، يفسر مسؤول بوزارة الفلاحة ذلك بأسباب عديدة يمكن أن تكون حسب رأيه ناتجة عن عدم احترام الكمية اللازمة أو الاستعمال الخاطئ. وفي هذا الشأن يجب اثبات السبب في عدم نجاعة المبيد حتى يتم سحبه..
وبصفة عامة يتمّ سحب المبيد نظرا لآثاره الجانبية وسمّيته العالية . وفي تونس مثلا تم سحب وترويج الالتراسيد 40 ultracid 40 منذ حوالي خمس سنوات، إلى جانب مبيدات اخرى.
وإذا تم إصدار قرار بمنع ترويج نوع من المبيدات و لكن لاتزال كمية هامة منه مخزنة، فإنه يتم في هذه الحالة مواصلة بيع الكمية المتبقية مع منع توريده مستقبلا.
و بخصوص العلاقة بين سمّية المبيد وتأثيره على صحة الإنسان، يرى عادل الجمازي أنه لا يوجد دليل يثبت العلاقة المباشرة بين استعمال المبيد و الآثار الجانبية على الصحة.
وفيما يخص المواد المعروضة في السوق التونسية هناك توجه لبعث برنامج للرقابة بداية من مصدر الإنتاج إلى حين عرضها على المستهلك.
و يقول حمدي حاشد، مهندس مختص في البيئة أن العديد من البحوث التي أنجزت على المستوى العالمي أثبتت مدى التأثير الخطير للمبيدات الفلاحية على صحة الإنسان.
ويضيف أن نسبة المصابين بمرض السرطان، لدى أغلب مستعملي المبيدات الفلاحية، تدل على مدى سمية هذه المواد و مضارها على صحة الإنسان. كما لاحظ عدد من الباحثين في علوم السميات و حسب ما تم نشره في بعض الدراسات، وجود علاقة وطيدة بين تشوه الأجنة لدى النساء الريفيات العاملات في القطاع الفلاحي والتعرض أثناء العمل في الضيعة إلى المبيدات الفلاحية المصنفة خطرة.
و يذكر حمدي حاشد، في هذا السياق، أن نسبة كبيرة من مستعملي المبيدات الفلاحية لا يتخذون الإحتياطات اللازمة و لا يحترمون قواعد الوقاية التي يجب اتباعها عند عملية خلط المبيدات أو رشها و استعمالها بصفة عامة.
وبالنسبة الى المبيدات عالية السمّية، أقرّ عادل الجمازي بوجود أنواع تم سحبها و منع استعمالها على الصعيد الدولي و لكن لايزال استعمالها و تسويقها متداولا في تونس، على حد قوله.
و يؤكد المسؤول بوزارة الفلاحة "نحن نتولى توجيه الفلاحين الى حسن استعمال المبيد وعدم المداواة الاعتباطية للنباتات، كما نعمل على بلورة استراتيجية تمكّن من الحدّ من استعمال المبيد إلاّ للضرورة القصوى حسب برنامج وطني للتصرف في المبيدات بالتعاون مع أطراف مختلفة".
ويِؤكد الجمازي حرص وزارة الفلاحة على إحكام الرقابة على المبيدات والتوجه نحو البدائل عن طريق المقاومة المندمجة، مشيرا إلى وجود برامج في هذا المجال مثل زراعة الرمان عبر مقاومة الأمراض حسب بروتوكول معين (في مدينتي قابس و تستور)، بالاضافة الى المقاومة البيوتكنولوجية وهي طريقة أظهرت نجاعتها و تسعى الوزارة الى تعميمها.
هل يكمن الحل في تطوير نظام المراقبة و تتبع سلسلة الإنتاج ؟
طارق بن جازية، المدير السابق للمعهد الوطنى للاستهلاك، يقول انّه حسب دراسات أنجزت في هذا الصدد، فانّ بقايا المبيدات التي نجدها في المنتوجات الفلاحية لم تتجاوز المستوى الذي يجعل المواد المعروضة للاستهلاك ضارة. فمثلا بالنسبة الى القوارص يتم تقشير البرتقال و بالتالى فانّ النسبة العالية لمتبقيات المبيدات تبقى عالقة في القشور مما يقلص الخطر على صحة الإنسان، لكنّ مستعملي القشور في بعض المستحضرات مثل البسيسة و غيرها يكونون عرضة الى امكانية وجود نسب عالية للترسبات الكيميائية للمبيدات.
أما الخطر الثاني فهو يكمن على مستوى الاستعمال عند الفلاح، إذ لا يأخذ هذا الأخير الاحتياطات اللازمة عند استعمال المبيدات.
فالفلاح يشترى المبيدات ولا يتبع في غالب الأحيان نصائح عملية الرش من وقاية وحماية عند الإستعمال. فصاحب الضيعة عادة ما يستأجر عاملا بسيطا و يطلب منه رش المبيدات دون أدنى احترام للتعليمات المصاحبة.
ومن بين المسائل التي يجب إثارتها أيضا، يقول طارق بن جازية، انعدام أو عدم دراية الفلاح بمخاطر وأهمية استعمال المبيد وفقا للتراتيب المنصوح بها، وما يمكن أن ينجر عن ذلك من مشاكل. فعادة ما يستعمل بعض الفلاحين مبيدا لأن الفلاح في الضيعة المجاورة قد استخدمه أيضا بالرغم من عدم وجود داع لذلك كظهور حشرات أو طفيليات أو غيرها من الأمراض.
و يدعو طارق بن جازية الى العمل على تثقيف الفلاح على مستوى استعمال المبيدات و ايضا توعية المستهلك، مذكرا في هذا الإطار، وعلى سبيل المثال، بتوفر العنب إلى حدود شهر سبتمبر 2017 في السوق، وقد تمت مداواته حوالى 34 مرة في منطقة الوطن القبلي، وهو استعمال مكثف يضمن وجود المنتج لفترة طويلة ولكن بآثار جانبية كبيرة جراء المداواة المتكررة.
ويجب ايضا لفت الانتباه الى عملية رش المبيدات بالطائرات حيث تكون الضيعات مجاورة لمناطق آهلة بالسكان أو مؤسسات تربوية كروضة أطفال أو مدرسة، وهو ما يمثل خطرا كبيرا على الإنسان مثلما هو الأمر بالنسبة لمنطقة وادي مجردة و مجاز الباب في جهة الشمال الغربي للبلاد.
و محاولة للتخفيف من تداعيات مثل هذه الممارسات، يدعو طارق بن جازية الهياكل الرقابية الى تكثيف حملات التوعية و الرقابة. ويذكّر هنا بمهام وكالة الإرشاد الفلاحي التي كانت تقوم بومضات تحسيسية لكنها توقفت عن ذلك لعدة اعتبارات لعل أهمها تكلفتها العالية رغم غاياتها الاجتماعية والتوعوية.
كما يعتبر طارق بن جازية أن المخابر لا تملك القدرة التحليلية المتطورة التي تمكن من تمييز العناصر الملوثة للمبيدات، مذكرا بمشكل المبيدات التى تروج في السوق الموازية ولا تخضع للرقابة قائلا: "لا يوجد في تونس هدف لتقليص استعمال المبيدات بل هناك فقط برنامج رقابة، في حين تملك فرنسا مثلا برنامج ايكو فيتو للتخفيض من استعمال المبيدات ب20 بالمائة الى حدود سنة 2020".
ويأسف المتحدث أن تكون المبيدات "ضررا لا بد منه"، على حد قوله، لتحقيق الأمن الغذائي للمواطن و الضغط على الأسعار للتصدير.
و هو يدعو إلى تحليل المنتجات الفلاحية المعروضة في السوق المحلية بصفة آلية مثلما هو معمول به بالنسبة إلى المنتجات المصدرة، معتبرا أن المشكل الحقيقي يكمن في صعوبة عملية تتبع المنتجات لأن أخذ عينة من السوق و تحليلها لا يسمح لنا بالرجوع الى مصدر المنتَج و الضيعة المنتجة وفي أي جهة، وهو ما لا يمكن من التعرف، أسبوعا فقط بعد الحصول على نتائج التحاليل، هل أن الطماطم تم إنتاجها في الوطن القبلي أو الشمال.
بن جازية يري أن الحل الأسلم هو القيام بعملية المراقبة في الحقل أي في مكان الإنتاج وهذا يتطلب إمكانيات مادية وبشرية هامة. كما يتعين تطوير نظام المراقبة وترشيد الفلاح والمستهلك وتطوير القدرات المختبرية و تتبع المنتجات (تطوير نظام الاسترسال و القيافة) والاستثمار في توعية المستهلك حول طريقة الاستهلاك الأمثل والعمل على تطوير قطاع الفلاحة البيولوجية.
زهرة التي أفنت شبابها في العمل بين الحقول و المزارع لتقوم بأعمال مختلفة سعيا وراء لقمة العيش لتساعد زوجها على التغلب على مصاعب الحياة تعبر عن قلقها من عملية رش المبيدات على المنتجات الفلاحية، وتعتبرها من أقسى الأعمال التي قامت بها نظرا لما خلفته من تأثيرات جانبية على صحتها.
يتملك زهرة سعال حاد فتلتقط أنفاسها و تواصل حديثها، "طالما حلمت باليوم الذي أحمل فيه طفلي بين أحضاني، ولكن، يبدو أن استنشاق كميات من المواد الكيميائية كان سببا في عمليات الإجهاض المتكررة التي أعاني منها. هناك أيضا من النسوة اللاتي تعملن في الحقول رزقن بأطفال مصابين ببعض التشوهات.
و تعبر زهرة عن عميق حيرتها فتقول: "وجدنا أنفسنا بين المطرقة و السندان، بين الحاجة الملحة للعمل و بين المحافظة على صحتنا وصحة أطفالنا في ظل غياب شبه تام للإرشادات الكافية و احتياطات الإستعمال اللازمة و عدم احترام المعايير والمقادير المنصوص عليها".
بعد المصادقة على قانون يقر بحق المواطن في الحصول على منتجات فلاحية ذات جودة وقيمة غذائية عالية، خالية من المواد التي يمكن أن تضر بصحته، تفتح افاق جديدة لوضع استراتيجية واضحة وناجعة تمكن من المراقبة الفعلية لكمية ترسبات المبيدات الفلاحية في المنتجات المعروضة على المستهلك.
والمقصود من هذا التمشي المحافظة على السلامة الجسدية و تجنب الخسائر المادية التي يمكن أن تنجر عن الأمراض التي تتسبب فيها كالسرطان و الربو وغيرها من الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى تداعياتها المالية و انعكاساتها السلبية على قطاعات أخرى حيث تتفاقم عدد ساعات العمل غير المنجزة و تتدهور نسبة الإنتاجية بالإضافة إلى تكاليف العلاج المشطة.