وجه ستة أكاديميين تونسيين رسالة إلى لجنة حماية الصحفيين (نيو يوركCPJ , ) على إثر إصدارها بيانا تشجب فيه هذه المنظمة الدولية إيقاف بث قناتي "نسمة" و "الزيتونة" التلفزيتين إضافة إلى "إذاعة القرآن الكريم". وعبّر الموقعون على الرسالة عن استغرابهم من تجاهل اللجنة أن الأمر بإيقاف البث صادر عن هيئة تعديلية مستقلة عن الحكومة وطالبوا هذه المنظمة بمزيد التحري وعدم الانصياع لحملات التضليل التي تقودها لوبيات كانت تقف وراء القناتين لما كانت في الحكم وهو ما شجعهما على تجاهل قرارات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وعلى عدم تسوية وضعيتهما القانونية.
وفي ما يلي نص الرسالة وقائمة الموقعين:
تونس في 5 نوفمبر 2021
الى السيد جول سايمن، المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين
الموضوع:
استغراب من موقف لجنة حماية الصحفيين إزاء إيقاف بث بعض القنوات التلفزية والإذاعية التونسية الخارجة عن القانون
السيد المدير التنفيذي،
بعد التحية،
نحن الجامعيون المُوقّعون أدناه، نكتب اليكم للتعبير عن عميق استغرابنا من إصرار لجنة حماية الصحفيين على مُطالبة السلطات التونسية في 7 ثم في 27 أكتوبر 2021 ﺑ"وجوب السماح" باستئناف البث لقنوات إذاعية وتلفزية خارجة عن القانون، بالرغم من عدم اكتراثها بقرارات الهيئة العليا المُستقلة للاتصال السمعي البصري، التي تُعتبر الهيئة الوحيدة في البلدان العربية، المُستقلة فعلا عن السلطة السياسية ومُختلف مراكز النفوذ و اللوبيات المالية المشبوهة.
ونعتقد أنه من الضروري، بعد عدة تنبيهات و إنذارات و خطايا وجّهتها الهيئة العليا المُستقلة للاتصال السمعي البصري لعدد من القنوات التلفزية و الإذاعية التي تتولّى البث بصورة فوضوية ودون الحصول على الإجازات القانونية المستوجبة، أن:
- تتولّى هذه الهيئة إصدار قرارات بإيقاف البث و بالغلق، وفق ما تقتضيه أحكام الفصل 31 من المرسوم عدد 116 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي و البصري.
- تقوم السلطات العمومية بتنفيذ قرارات الحجز والإيقاف المُستوجبة قانونا، مثلما حدث في الأسابيع الأخيرة بسبب رفض القنوات المعنية مرارا وتكرارا الانصياع لها.
وتعتبر هذه القرارات وإجراءات تنفيذها – كما لا يخفى عليكم - أعمالا عادية وضرورية في الدول الديمقراطية التي تسود فيها عُلوية القانون. وتنبع مشروعيتها وأهميتها من كونها صادرة عن هيئة تعديلية مُستقلة تتولي تنظيم الاتصال السمعي البصري منذ إحداثها في 3 ماي 2013، ضمن مسار تشاركي مهّدت له السبيل منذ 2011 الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطيي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية لاصلاح الاعلام والاتصال. وهو مسار عرقلته طيلة حوالي عامين، أحزاب سياسية ومراكز نُفوذ مصلحية ما انفكت تدعم الى اليوم البث الاذاعي والتلفزي الفوضوي بعد ان فشلت في تقليص مهام الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، وفي محاولة تمرير مشروع قانون في 2020 يهدف الى تحويل هذه الهيئة الى هيكل صوري بأتمر بأوامرها.
لذلك تُثير المواقف والبيانات المُنتقدة لقرارات ايقاف البث والحجز التي تم تفعيلها مؤخرا، والصادرة عن بعض الأطراف الخارجية، وأحيانا - للأسف بعض المُنظمات غير الحكومية، الغير مُلمّة بعُمق بخُصوصيات المشهد الإعلامي والسياسي التونسي أو المُتأثرة بحملات مُضلُلة تقوم بها بعض الأطراف المتنافسة على السلطة في تونس، الكثير من الإستغراب. لأن هذه المواقف والبيانات تعكس ماجاء مؤخرا على لسان ممثلي أحزاب سياسية ومراكز نفوذ من انتقاد لتطبيق قرارات الايقاف والحجز التي اتخذتها الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، والتي طالت بعض القنوات الاذاعية والتلفزية الخارجة عن القانون.
إن انتقاد هذه القرارات - التي يُطالب بتنفيذها العديد من المُنظمات المهنية والحقوقية التونسية منذ سنوات والتي تسعى الى إعلاء سيادة القانون واحترام مُقتضيات الشرعية وتنظيم المشهد السمعي البصري- يصب في نهاية المطاف – في نظرنا في خانة الحث على خرق القانون، ونشر مزيد من الفوضى في المشهد الاعلامي، وحماية قنوات اذاعية وتلفزية تتعمّد البث العشوائي مُستقوية بأحزاب سياسية نافذة و بلوبيات تحوم حولها شُبهات فساد قوية .
ونُحذّر من خطورة الاستمرار في توفير حماية غير قانونية لهذه القنوات وتحريضها على التمادي في الاستقواء على الدولة الذي وصل الى حد التكفير و الحث على الكراهية وتمزيق بعض قرارات الهيئة التعديلية مُباشرة على الهواء في تعنّت و تحدّ غير مسبوقين .
إن الدفاع عن قنوات غير مُتحصّلة على إجازة للبث و مُنتهكة للقانون لا يُمكن تصوره في الدول الرّاسخة في الديمقراطية و احترام القانون التي يُقطع فيها البث وتُغلق فيها القنوات الفوضوية على الفور.
وبناء على ما سبق، ومن موقعنا المُطّلع على كافة أطوار مسار إصلاح الإعلام منذ بداية فترة الانتقال الديمقراطي سنة 2011، نرجو من مُنظمتكم أخذ هذه المُعطيات في الاعتبار ومزيد التدقيق فيما تتضمنه بياناتكم حول تونس قبل نشرها، وذلك لمُساعدتنا على ترسيخ مبدإ التعديل المُستقل للقنوات الإذاعية والتلفزية، بعيدا عن كل توظيف مصلحي يتعارض مع حق المُواطن في إعلام مُستقل ومُستجيب للضوابط المهنية المُتعارف عليها دوليا.
مع فائق التقدير
الموقّعون:
- حفيظة شقير ، أستاذة القانون العام ونائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان
- حميدة البور، أستاذة في الإعلام والاتصال ورئيسة مديرة عامة سابقة لوكالة تونس إفريقيا للأنباء
- رضا جنيح، أستاذ القانون العام ورئيس لجنة الاعلام والاتصال بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي
- عبد الكريم الحيزاوي، أستاذ في الإعلام والاتصال ورئيس مركز تطوير الإعلام
- مصطفى بن لطيف، أستاذ القانون العام، والرئيس المدير العام الأسبق لمؤسسة التلفزة التونسية
- توفيق يعقوب، أستاذ مشارك في الاتصال الجماهيري وعضو المكتب التنفيذي لجمعية "يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية".