مركز تطوير الاعلام

تحقيق: جندوبـــــــــــة .. بسبب شبهة فساد مالي وسوء تسيير إداري ..9 آلاف هكتار من الأراضي السقوية في مهبّ الريح

تحقيق: عبد الكريم السلطاني

هذا التحقيق تم انجازه في إطار برنامج الصحافة الاستقصائية من أجل حوكمة محلية رشيدة بإقليم الشمال الغربي الذي ينظمه مركز تطوير الإعلام. تم نشر هذا التحقيق على الصحيفة الورقية الشروق والموقع الالكتروني

وفي الشروق اونلاين بتاريخ أكتوبر  2019. 

أحدثت في ثمانينيات القرن الماضي المنطقة السقوية سوق السبت العيثة على مساحة 5300 هكتار. وتتزود من سد بوهرتمة عبر محطة الريابنة المجهزة بــ 3 مضخات كبرى وقنوات بمواصفات تستجيب للدراسة الألمانية التي تم الاستئناس بها .

 انطلقت المنطقة السقوية سوق السبت في العمل خلال سنة 1984. وانطلق معها الفلاحون في استغلال أراضيهم بنسق متسارع. وحولوا  المنطقة إلى مركز ثقل من حيث الانتاج. فأصبحت تزود السوق الوطني بنسبة 47 % من الخضر التي ينقل 80  % منها نحو سوق الجملة ببئر القصعة بالعاصمة.
 واستمر الحال أكثر من 20 سنة من الرخاء والإنتاج الهام إضافة الى توفير اليد العاملة الفلاحية بالجهة بنسبة 55 %  إلى أن انقلب الوضع 180 درجة بعد أحداث منطقة سقوية جديدة وهي المنطقة السقوية السعادة -الجريف على مساحة 3800 هكتار والتي دخلت طور الأشغال سنة 2004 .

خسارة مضاعفة  
إحداث منطقة سقوية جديدة ليس بمشكل. بل هو دعم للقطاع الفلاحي. ولكن المشكل أن يتم تزويد هذه المنطقة من نفس المحطة التي أحدثت بمواصفات تمكن من تزويد منطقة سوق السبت فحسب. لكن أصبحت اليوم تزود منطقتين على مساحة تفوق 9 آلاف هكتار فكانت النتائج عكسية. حيث ظهرت للعيان سلبيات عديدة بالمنطقتين .
عمر غزواني رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بجندوبة اكد أنه بسبب سوء التسيير والمحاباة كذلك هجر أكثر من 70 % من فلاحي المنطقة السقوية سوق السبت أراضيهم التي تصحّرت. وأصبحت خارج الخدمة. وهو ما انعكس على الإنتاج وكذلك على النواحي الاجتماعية والمادية للفلاحين. حيث  تخلص الكثير منهم من أراضيهم إما بالبيع أو بالكراء. وتخلصوا كذلك من مواشيهم التي تتطلب تربيتها اعتماد زراعة الأعلاف إضافة الى ضعف نسبة تدفق المياه بالأراضي التي بقيت مستغلة ولا تتجاوز الثلث هذا بالنسبة للمنطقة السقوية سوق السبت  .
أما بالمنطقة السقوية السعادة -الجريف فإنه في ظل تزويد منطقة سقوية على حوالي 4 هكتارات دون تركيز محطة ضخ خاصة بها وتزويدها من محطة الضخ الريابنة والذي جاء محاباة لوجوه نافذة في السلطة في العهد البائد. فكانت النتيجة تكرر انقطاع مياه الري خاصة عند الذروة فانجر عنه احتراق حقول الدلاع والطماطم صيفا والكل يتذكر احتراق 1800 هكتار من الزراعات الصيفية موسم 2017 والتي كانت فيها الخسارة كبيرة للفلاحين. وكلفت في ما بعد خزينة الدولة أموالا طائلة لصرف التعويضات التي قدرت ب 7 ملايين دينار. 

فساد في التسير وخسائر بالمليارات  
الفلاح حسن العبيدي من فلاحي المنطقة السقوية سوق السبت اوضح ان اغلب أراضي المنطقة السقوية سوق السبت تصحرت. وأصبحت منذ ما يزيد على 10 سنوات جسما بلا روح بعد أن هجرها الفلاحون بلا رجعة. وغزت الحقول الاعشاب الطفيلية الضارة  وحتى الناشطين بهذه المنطقة فالنشاط بالنسبة اليهم نوع من المخاطرة جراء تكرر انقطاع مياه الري الذي تبرره  وزارة الفلاحة والمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة بكونه  بسبب تقادم الشبكة وحاجتها الى الصيانة الدائمة ولكن الحقيقة هي بسبب خلل فني ناتج عن تزويد منطقتين سقويتين على مساحة 9 آلاف هكتار ويزيد من نفس محطة الضخ. وكان الأجدر طبق المواصفات الفنية أن يتم تزويد كل منطقة على حدة . 
بالأمس أفلس الفلاحون ومنهم من يتهدده السجن ومنهم من مات من الغيض بسبب تتالي خسائره  (ع / ب)  بعد ان احترقت أراضيه وأعدمت حقوله والأمثلة كثيرة عن معاناة الفلاحين وعن ملفات فساد أصابت القطاع الفلاحي بجهة جندوبة بمقتل. وباتت محاربتها مسؤولية الدولة والمنظمات لانقاذ الفلاحة والفلاحين .
وبدوره أوضح الفلاح منجي الزايدي أن ما تعيشه المنطقتان السقويتان سوق السبت والجريف سببه فساد في التسيير وغياب الدراية الموضوعية بخصوصيات محطة الضخ الريابنة التي تضخ المياه نحو حوض غدير فرح والذي بدوره يوزع المياه نحو المنطقة السقوية سوق السبت. وهذه المحطة حسب الدراسات الفنية الألمانية أحدثت لتزويد هذه المنطقة فقط.   ولكن أن يتم إدراج منطقة جديدة على نفس المحطة فذاك الفساد بعينة خاصة أن ظروف احداث هذه المنطقة السقوية الجديدة كانت لإرضاء فلاحين من النظام البائد. والمحصلة لا المنطقة السقوية سوق السبت تزودت بمياه الري في ظروف عادية فأعدمت أغلب أراضيها وتقادمت شبكة الري وتكررت الاعطاب. و لا المنطقة السقوية السعادة الجريف تزودت بمياه الري. فخسر الفلاح وكذلك  الدولة من خلال تكبدها مصاريف التعويضات وآخرها تعويضات اضرار صائفة 2017 التي كلفت خزينة الدولة 7 ملايين دينار.والدولة تستعد هذه الأيام لجبر اضرار الطماطم لهذه الصائفة. وهي في حدود 2,5 مليون دينار والحصيلة مرشحة للارتفاع اكثر. وكان من المفترض بدل إهدار المال العام في التعويضات صرف هذه الاموال في إنشاء محطة ضخ جديدة خاصة بالمنطقة السقوية الجريف - السعادة وبذلك نضع حدا للمشكل. ولكن يغيب هذا الطرح لأن الجميع يتستر على الحقيقة وعلى هذا النوع من الفساد .
وفساد التسيير أرجعه  منجي الزايدي الى انعدام خطة عمل لجهر حوض  " غدير فرح " كحل وقتي في انتظار ربط المنطقة السقوية الجريف -السعادة بسد الرغاي الذي هو مشروع في طور الدراسة والذي سوف يخلق حلولا في التزود بمياه الري للمناطق السقوية غار الدماء وادي مليز  ( 7 آلاف هكتار  ) والسعادة الجريف 3800  هكتار وبعث منطقة سقوية جديدة بجندوبة الشمالية على مساحة 3500 هكتار  وعملية "جهر" حوض  "غدير فرح" أصبحت ضرورة ملحة خاصة اذا علمنا أن الترسبات جعلت طاقة التعبئة بالحوض تتراجع من 370 ألف م 3 الى 220 الف م 3 وعملية "الجهر" هذه تعيد الى الحوض طاقة تعبئته وتحسن نسبة التدفق وقوة الضخ نحو المنطقتين.

المشكل في الربط العشوائي !!!! 
محمد العوادي المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية سابقا ورئيس قسم الموارد المائية بالمندوبية يعتبر انه فنيا يمكن تزويد المنطقتين السقويتين سوق السبت والجريف السعادة من محطة الضخ الريابنة خاصة بعد تجديد مضخاتها الهيدرولية الثلاث خلال سنة 2018 بما طور بشكل كبير قوة الضخ. لكن الاشكال في تنامي ظاهرة الربط العشوائي خارج الشبكة من قبل عدد من الفلاحين وعلى مساحات كبيرة فاقت  1500 هكتار بما زاد في حجم مساحة الاستغلال وقلص من معدل الضخ. و قد حاولت المندوبية بكل الطرق التصدي لهذه الظاهرة لكن دون جدوى. فكانت النتيجة كميات هامة من المياه مهدورة ومستغلة على غير الطرق القانونية وفي ذلك إهدار للمال العام واليوم  مقاومة هذه الظاهرة مسؤولية الجميع. 

أرقــام ودلالات

9
آلاف هكتار مساحــــة المنطقتين السقويتين
 7
ملايين دينار خسائر صائفة 2017
 2,5
مليون دينـــــار خسائر موســم الطماطم